سألته عن وضع الصحة المدرسية أجابني "تقصد التمارين الرياضية في الطابور" تعجبت من إجابته وجهله بمصطلح الصحة المدرسية قلت الصحة المدرسية التي تعني توفير البيئة الصحية والاهتمام بصحة الطلاب داخل المدرسة من توفير الأدوية الإسعافية والرقابة على ما يأكله الطالب في المدرسة قال " دعك من هذا.. فنحن لسنا في دول الخليج" قلت له لم لا تكون مدارسنا مثل مدارس دول الخليج؟ تأمل قليلا وقال "سأكون صريحا معك ..في اليمن لا يوجد استعداد لدى الطالب و المدرس والإدارة أن يكون نموذجي مثل باقي دول العالم.
ما سبق كان طرف من حديثي مع مدير إحدى المدارس على أطراف أمانة العاصمة صنعاء والتي يدرس بها أكثر من 800 طالب بمرحلتي الأساسية والثانوية.
مدير هذه المدرسة الأساسية الثانوية الذي طلب عدم ذكر اسمه قال إن الاهتمام يجب أن يكون بالأركان الأساسية للتعليم التي هي توفير المنهج والمدرسة والمعلم والطالب والاهتمام بنجاح العملية التعليمية معتبرا الاهتمام بالمجال الصحي في المدارس عملا استثنائياً.
بحسب النظام الداخلي للمدارس يشترط أن يكون هناك أخصائي اجتماعي تكون مهمته مراقبة تصرفات الطلاب والاهتمام بالشؤون الصحة والبيئة في المدرسة بما فيه الرقابة على جودة خدمة التغذية في البوفيه والبقالة داخل المدرسة.
تقول رجاء حُميد وهي أخصائية اجتماعية بمدرسة خالد بن الوليد إن الاهتمام بالصحة والبيئة في المدرسة يجب أن يكون له أولوية في اهتمامات المدرسة مشيرة إلى أنها اطلعت على أبحاث علمية أثبتت أن ضعف الوضع الصحي للطلبة من أبرز الأسباب المؤدية إلى ازدياد التغيب عن المدرسة والتسرب المبكر وضعف الأداء.
وأضافت حُميد "الفئة العمرية للطلاب تتميز بتغيرات متلاحقة من الناحية البدنية و النفسية مما يجعلها في حاجة إلى خدمات متميزة لتعزيز صحتها من اجل جيل صحي والعقل السليم في الجسم السليم"
وأكدت حُميد التي أخذت خبرتها من دورات تدريبه في الإسعافات الأولية أنها تستقبل أربع إلى خمس حالات في الأسبوع غالبيتها جروح بسيطة أثناء لعب الأطفال خلال الاستراحة.
في العام 1995م دشنت منظمة الصحة العالمية مبادرة العالمية للصحة المدرسية هدفها تقوية وتعزيز أنشطة الصحة على المستوى المحلي و الوطني و الإقليمي و العالمي وبدأ الاهتمام حينها بأنشطة الصحة المدرسية في المدارس اليمنية كون طلاب المدارس يمثلون نسبة 25% من المجتمع اليمني أي أنهم أكثر من ستة ملايين طالب وطالبة.
أمانة العاصمة التي يوجد بها 317 مدرسة حكومية و 507 أهلية في مديرياتها العشر تنعدم مقومات الصحة المدرسية في بعض مدارسها لكنها تتواجد وعلى مستوى جيد في مدارس أخرى ولاسيما المدارس الخاصة بالبنات وبعض المدارس الأهلية.
في مدرسة سبأ بأمانة العاصمة التي يدرس فيها أكثر من 1500 طالب لا توجد عيادة طبية أو بعض أدوية الإسعافات الأولية كما يوجد في المدرسة أكثر من عشرة حمامات لكنها مغلقه وغير مفعّلة كونها بحاجة للترميم فيما المياه منقطع عنها منذ منذ أكثر من عامين بحسب وكيل المدرسة عبده مراد
يقول عبده مراد أن الأدوية الطبية لم تصرف للمدرسة منذ أكثر من ثمان سنوات وأن إدارته تهتم بالصحة المدرسية من خلال التوعية للطلاب بخطر الأمراض والاهتمام بمظهر وشكل الطلاب ومعاقبة من لا يقص أظافره ولا يسرح شعره ولا يهتم بنظافة ملابسه.
ناظم العابد وهو طالب في الصف التاسع بمدرسة سبأ يقول إن الطالب الذي يمرض في المدرسة أو يتعرض لجرح صغير أثناء اللعب يستأذن من المدرسة ويغادر إلى البيت وأن مدرسته التي يدرس بها لا يوجد فيها حتى لصقات الجروح.
وأشار ناظم الى أن بعض زملائه تعرضوا لجروح نتيجة للضرب من قبل بعض الأساتذة على حين يضرب الاستاذ على الراس او الضرب العشوائي لأي سبب وأن الطالب الذي يصاب بالجرح يأذن له المدرس أن يغادر المدرسة الى البيت دون أن تقدم له أي مساعده.
وقال ناظم "نخرج في الاستراحة ونتسابق على حمامات الجامع لقضاء الحاجة وتنتهي الراحة وكثير من الطلاب في الانتظار في حمامات الجامع" مشيرا إلى أن حمامات المدرسة مغلقة لعدم وجود مياه فيها رغم أن إدارة المدرسة جمعت قبل خمسة أشهر مبلغ مالي 100 ريال من كل طالب لإصلاح الحمامات وتحسين الوضع الصحي في المدرسة إلا أن ذلك لم يحدث ولم يتم إصلاح الحمامات.
دولاب زجاجي صغير ارتفاعه 70 سم وعرضه 40سم مقدم كهدية من إحدى الشركات الطبية الخاصة وبه بعض الأدوية الإسعافية البسيطة التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، هو ما يعتبر عيادة طبية متكاملة في مدرسة خالد بن الوليد يتم بها مواجه أي حدث طارئ في المدرسة المكونة من 35 فصل دراسي ويدرس فيها أكثر من 2500 طالب.
ويقول محمود القدسي وهو مشرف إداري ومعلم في المدرسة منذ 19 عاما إن كل ما هو متوفر من اهتمام بالصحة المدرسية هو جهد شخصي لإدارة المدرسة وأن هناك غياب شبه تام لإدارة الصحة المدرسية بإدارة التربية والتعليم.
وأشار القدسي أن دور إدارة الصحة المدرسية اقتصر على تشكيل جماعات طلابية تختص في الصحة والبيئة ومكونة من عشرين طالب مهمتها تنظيم حملات توعوية ورصد الطلاب الذين لا يقصرون أضافرهم ولا يسرحون شعرهم أو يهتموا بنظافة ملابسهم ومتابعتهم بالاشتراك مع الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة.
يختلف وضع الصحة المدرسية من مدرسة لأخرى لكن الاختلاف أكثر بين مدراس البنات ومدارس البنين فهي ضعيفة وتكاد تكون منعدمة في مدارس البنين لكنها متوفرة وعلى مستوى جيد في مدارس البنات.
تقول أسماء ناصر وهي معلمة في مدرسة للبنات أن توفير الخدمات الصحية في مدارس البنات يجب أن يكون له اهتمام استثنائي كون البنات لا يستطعن الخروج من بوابة المدرسة لأي مكان كما يفعل الأولاد وهن بحاجة لرعاية خاصة.
كما ان الطالبات هن ربات بيوت وتعودن على الاهتمام بشكل ونظافة البيت بعكس الطلاب ومن الطبيعي أن تكون مدارس البنات بيئة صحية أكثر من مدارس البنين.
مديرة اليمن السعيد للبنات جماله القاضي قالت إن وجود البيئة الصحية في المدرسة يساعد على التفوق والنجاح لدى الطالبة والمعلمة
وتشير القاضي إلى إن إدارتها تستضيف بين فترة وأخرى أطباء وخبراء في مجال الصحة والبيئة لتوعية الطلاب بمخاطر بعض الأمراض المعدية والأكثر انتشارا في المجتمع ويتم ذلك في طابور الصباح.
مدرسة اليمن السعيد للبنات يوجد بها عيادة صحية مكونة من سرير وبعض الأدوية الإسعافية وأجهزة قياس الضغط والحرارة وبحسب مديرة المدرسة فأنها وفرتها من مبالغ رسوم تسجيل الطلاب بداية العام.
الصحة المدرسية تدار بالتنسيق بين وزارتي التربية والتعليم والصحة من قبل لجنة مشتركة برئاسة الوزيرين تجتمع رأس كل عام لتقر خطة عمل بداية كل عام دراسي فيما تخصص كل وزارة إدارة عامة للصحة المدرسية.
مدير ادارة الصحة المدرسية بوزارة التربية والتعليم عبد الملك السياني قال إن الصحة المدرسية في وضع سيئ وأن دور الإدارة اقتصر على توفير حقيبة صحية وفني طبي خلال أيام الامتحانات ولاسيما امتحانات الثانوية العامة و السبب يعود الى قلة الإمكانيات المادية وقلة الكادر الطبي المتخصص لتنفيذ أنشطة الصحة المدرسية.
وأوضح السياني أن وضع الصحة المدرسية أصبح على نفقة المتبرعين من صيدليات وشركات دوائية خاصة مشيرا الى أن 30 عيادة تتكون من سرير وأجهزة لقياس الضغط والحرارة ودولاب صغير يحوي عدد متنوع من الأدوية الإسعافية تبرعت بها بداية العام الجاري جمعية صنعاء الخيرية وأن تلك العيادات تم توزيعها وتركيبها في ثلاثين مدرسة بأمانة العاصمة.
السياني أكد أن إدارة الصحة المدرسية غير قادرة على توفير طبيب أو فني طبي لعدد 18 ألف مدرسه في عموم محافظات الجمهورية مشيرا إلى أن إدارته تنسق مع الجمعيات والمنظمات لتدريب وتأهيل الأخصائيين الاجتماعيين بالمدارس على تقديم الإسعافات الأولية.
الملف الصحي
قبل أكثر من أربع سنوات أنظمت اليمن في عدد من المجالات منها المجال الطبي الى دول مجلس التعاون الخليجي واستفاد اليمن العدد من التجارب في المجال الصحي.
يقول السياني إن الصحة المدرسية تسعى لتطبيق برنامج الملف الصحي والمستخدم في دول الخليج العربي والذي يتضمن إعداد ملف صحي خاص بالطالب في أول سنة دراسية يتم فحصه لجميع الأمراض المنتشرة ويحفظ ملفه في المدرسة ويكون الفحص سنويا ومجانا لمعرفة تدرج حالة الطالب الصحية ويستمر الملف حتى تخرج الطالب من الثانوية.
وقال السياني أن هذا البرنامج سيتم تطبيقه العام القادم بعموم المحافظات وأن هذا العام تم اختيار أمانة العاصمة ومحافظة لحج كعينة لتجريب فعالية هذا البرنامج ومدى نجاحه.