في الثلاثين من عمره، لكنه يجلس على كرسي متحرك، فيما يدفعه والده السبعيني متوجهاً به إلى مركز أمراض الكُلى والمسالك البولية بمستشفى الثورة بصنعاء، ليأخذ دوره بين المرضى هناك ويجري عملية غسيل لكليتيه مرتين كل أسبوع.
منير عبدالله المسني، يعيش هذه التفاصيل منذ كان في العاشرة من عمره، حين أصيب بالفشل الكلوي المزمن، إلا أن وضعه أكثر تعقيداً لأنه فقد القدرة على المشي، بعد أن أجريت له عملية جراحية وعن طريق خطأ طبي أصبح مشلولاً.
منير و28 مصاب بالفشل الكلوي المزمن كانوا صباح الثلاثاء الماضي يرقدون على أسرة طبية متهالكة، تضمها 3 صالات في المركز، رجالاً والنساء وأطفال، قدموا من محافظات مختلفة، اختلفت لهجاتهم، وظائفهم، مستوياتهم الاجتماعية، إلا أنهم اشتركوا في الإصابة بمرض الفشل الكلوي المزمن.
المركز ليس الوحيد في الجمهورية، فهناك 21 مركز لأمراض الكلى والمسالك البولية يتوزع في 15 محافظة، إلا أنها في الغالب لا تضم سوى أربعة أجهزة وربما أقل، ما يدفع بالمواطنين القدوم إلى صنعاء للحصول على فرص أكبر في الغسيل، ويحمل المركز فوق طاقته، فأجهزته تعمل بإستمرار، فالمصابين بالفشل الكلوي المزمن يلزمهم الخضوع لعملية الاستصفاء الدموي وهي عملية غسيل الكُلى عبر أجهزة طبية خاصة، مدى الحياة.
ويقول الدكتور نجيب أبو أصبع رئيس المركز أن خدمات الغسيل تقدم بصورة مجانية 100% للمرضى والذي يتردد عليه حالياً 5800 مريض، إلا أن الأجهزة الـ28 المتوفرة في المركز تعمل على مدى الـ24 ساعة، وهو ما يؤثر على الأجهزة، والتي يجب أن تتوقف عن العمل لمدة ساعة بعد كل عملية غسيل.
ويضيف:"المفترض أن تغسل الاجهزة فقط ثلاثة جلسات يومياً، لكن ما يحدث في المركز أن الأجهزة تعمل سبع عمليات غسيل، نحن مضطرون فهناك ازدحام في المركز".
وينوه أبو أصبع إلا أن عدم وجود مراكز في سبع محافظات وهي محافظة عمران التي يتوافد منها أغلبية المرضى والضالع ومارب والجوف ريمة وابين ولحج، يدفع بالمرضى للقدوم إلى صنعاء، كما أن أغلب المراكز الـ21 في المحافظات لا تضم سوى أربعة أسرة.
يصل والد منير بإبنه إلى أحد الأسرة، بعد انتظار دام لساعات، لكنه يضطر لوضع جريدة تحت ولده، فقبل دقائق كان أحدهم يحتل السرير لمدة ساعتين هي فترة الاستصفاء الدموي التي يقضيها كل مريض في جلسة الغسيل، لأجراء والأب وضع الجريدة لأنه لا يثق في نظافة السرير.
يقول منير والقادم من محافظة تعز:"هكذا أفضل من الرقود على سرير كان أحدهم يرقد عليه قبلك".
لا يبدو سرير منير أفضل من بقية الأسرة التي يرقد عليها بقية المرضى، فأغلبهم إن لم يستخدم جريدة، يستخدم بطانيته الخاصة، وبجانب الشكوى من نظافة الأسرة يشكو المرضى هناك من اضطرراهم لشراء الأدوية على حسابهم الخاص.
يقول والد منير:"لا نملك مالاً كافياً، ونضطر لشراء الأدوية الخاصة بنا من الصيدليات، كان تصرف في السابق لكننا اليوم نشتريها على حسابنا".
يخضع منير وغيره من المصابين بالفشل الكلوي المزمن لجلستي غسيل أسبوعياً، تستمر كل جلسة لمدة ساعتين، غير أن المقر طبياً أن يخضع هؤلاء لثلاث جلسات أسبوعياً وأن تستمر الجلسة لأربع ساعات، أي بمعدل 12 ساعة في الأسبوع، لكن المرضى في المركز ولجهة الأزدحام لا يأخذون أقل من ست ساعات أسبوعياً، وذلك بحسب بسام السياغي المشرف الإداري بمركز الكُلى بمستشفى الثورة.
ويضيف:"يعمل الجهاز الواحد سبع عمليات غسيل يومياً ويستقبل المركز يومياً 196 مريض يومياً يخضعون على مدى الأربع والعشرون ساعة".
مياه الشرب الملوثة هي السبب الرئيسي في اصابة منير المسني بمرض الفشل الكلوي المزمن بحسب والده وهو الامر الذي يؤكده الطبيب عبدالله المطري وهو اختصاصي امراض الكلى بالمركز، حيث يقول أن ابرز اسباب الإصابة هي الالتهابات الميكروبية الناتجة عن تلوث مياه الشرب.
ويضيف:"كما أن المصابين بداء السكري وارتفاع ضغط الدم والأشخاص الذين يستخدمون المسكنات والمضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب هم الأكثر عرضة للإصابة بالفشل الكلوي".196
ويوضح المطري أن مرض الفشل الكلوي الحاد الذي هو فقدان الكُلى جزء من وظائفها يمكن علاجه إذا تمكن المريض من الكشف المبكر عنه ومعالجته منذ البداية بالأدوية، أما إذا أهمل علاجه فإنه يتحول إلى مزمن ويلزم المريض في هذه الحالة الخضوع للغسيل مدى الحياة، أما في حالة إهمال الغسيل فإن الأمر يؤدي للوفاة.
ويوجد ضمن المركز قسم خاص لزراعة الكُلى، وتقول أمل الهياب والتي زرعت لها كلى تبرعت بها والدتها العام الماضي 2012 أنها تعيش حياة طبيعية بعد اربع سنوات من المعاناه والالم مع عمليات الغسيل، لكن الأمر يختلف لدى منير فهو لم يجد من يتبرع له بكلية.
ويقول والده:"لم تتوافق فصيلتي مع ابني حتى اتبرع له، ولكونه معاق لا يقبل أحد أن يتبرع له بكليته، ولا يمكننا شراء كلية".
ويقول الدكتور نجيب ابو اصبع ان يشترط لإجراء عمليات زراعة الكلى وجود شخص من اسرة المريض وبصحة ممتازة، مشيراً إلى أن عمليات الزراعة بدأت في المركز وفي اليمن عامة في العام 2005، وهي مجانية 100%، ولحد اليوم تم إجراء 138 عملية زراعة ملية، نفذها كوادر يمنيين.
مع استمرار معاناة مرضى الفشل الكلوي برزت جمعيات خيرية تعمل لمساعدة المرضى عبر تقديم تسهيلات من فاعلي الخير ورجال الاعمال، ومنها جمعية الرحمة بصنعاء وهي الجمعية الوحيدة التي تقدم خدمة السكن والتغذية للمرضى القادمين من المحافظات والمناطق البعيده كما تصرف لهم الادوية اللازمة بحسب امين عام الجمعية امين محرم.
ويضيف محرم وهو أحد زراعي الكلى أن الجمعية التي تأسست في العام 2004 لا تستلم أي مبالغ من الحكومة وكل ميزانيتها تعتمد على تبرعات فاعلي الخير.
وكان عدد من طلاب كلية الطب بجامعة صنعاء أجروا دراسة طبية بحثية كمشروع لتخرجهم حول مرضى الفشل الكلوي في اليمن وخلصت الدراسة التي أجريت على 514 ذكر و298 أنثى، إلى أن أكثر الفئات العمرية تعرضا للفشل 19-40 سنة.
وأشارت الدراسة وهي الوحيدة والتي أجريت على مرضى الفشل الكلوي في مستشفى الثورة العام في 2007 أن 69% ممن ادخلوا المستشفى مصابين بفشل كلوي مزمن و31% مصابين بالفشل الكلوي الحاد.
وخلصت الدراسة الى أن الاسباب الرئيسية لتطور المرض الى مرحلة مزمنة هو تأخر التشخيص والكشف المبكر لمرضى الفشل الكلوي.
وأوصت الدراسة بضرورة إجراء الفحوصات والمتابعة الدورية لوظائف الكلى للفئات الاكثر تعرضاً للفشل الكلوي وهم مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم والاطفال المولودين بتشوهات خلقية في الجهاز البولي والمصابين بالتهابات المسالك البولية المزمنة وحصوات الكلى والمسالك البولية والبلهارسيا البولية المنتشرة في اليمن.
يخرج منير ووالده من المستشفى بعد ثلاث ساعات في جلسة الغسيل يدفعه والده على كرسيه المتحرك متجهاً نحو "دكان" يسكنا فيه بالقرب من المستشفى يستأجره والده بثمانية الالاف ريال (40$) ويعيشا فيه بانتظار جلسات الغسيل بصورة اسبوعية التي تمنحه أملاً في البقاء على قيد الحياة.
يقول الأب:"لدي ست بنات، متزوجات في تعز، ومنير هو أبني الوحيد، بعت كل ما أملك طيلة هذه المدة بمقابل معيشتنا هنا، ونعتمد على فاعلي الخير وعلى ما تتمكن بناتي من أرساله لنا، ولا أستطيع زيارتهن إلا مرة في العام لأني مشغول مع منير".