عزام عبدالعزيز
في حديث عابر مع بائع يمني بسيط في احد المحلات التجارية في الرياض وكعادة بعض اليمنيين لا يتورعون عن الخوض في السياسة التي تخص بلدهم نظر إليّ البائع وسأل: “هل سمعت ما قاله الرئيس العليمي أمس؟ رضوخ صريح للحوثي! الفيديو منتشر في كل مكان، حتى على تيك توك”. أكمل البائع حديثه بمرارة: “تشعر وكأن الدولة في صنعاء، لا في عدن، وأن الشرعية تخاف من الحوثي، ومن يخاف لا يجرؤ على المواجهة”.
كلمات البائع اختزلت شعوراً عاماً يتسع يوماً بعد آخر، وهو أن الشرعية، بقيادة الرئيس رشاد العليمي، تبدو خاضعة للظروف، لا صانعة لها.
الرئيس العليمي، رغم حنكته وثقافته، يقع في كل ظهور تلفزيوني في هفوات تثير جدلاً واسعاً وتظهر الشرعية كطرف أضعف، آخرها، حديثه الذي فُسر بأنه إقرار بالعجز أمام الحوثيين، سبقه تصريح لم يُنسى حتى اليوم حين قال في ظهور تلفزيوني سابقة على قناة العربية إن مقر مجلس القيادة الرئاسي عبارة عن أربع غرف مستأجرة من نادي التلال، وأن المجلس لا يملك حتى مكتباً يعمل فيه!.
ليست المشكلة فقط في التصريح، بل في الانطباع الذي يترسخ في الشارع عن قيادة مرتعشة لا تملك أدوات الفعل السياسي ولا تتصرف كصاحبة القرار لفرض واقع تأمل وتطمح ان تصل إليه.
كان البعض يراهن على العليمي باعتباره “خليفة عبدالكريم الإرياني”، بدهائه وحنكته السياسية، لكن التجربة كشفت عن قصور في شخصية العليمي الرئيس، في لحظة الحقيقة، ظهر العليمي بيد مرتعشة لا تُمسك بزمام المبادرة، وبلغة تعترف بالعجز، لا ترسم طريقاً للخلاص.
في زمن الأزمات، تصنع الشعوب زعماءها من مواقف شجاعة تسجل في الذاكرة الجمعية. لكن الرئيس العليمي، رغم امتلاكه أدوات التعبير، لم يسجل حتى الآن موقفاً واحداً يخلده الناس. ربما عليه أن يتعلم من شخصيات مثل عبدالعزيز جباري، وبن دغر و الميسري، الذين صنعوا جماهيرية عبر مواقف جريئة استطاع بعضهم تجاوز معالجة آثارها وهو ما يستطيع العليمي فعله.
يبدو أيضاً أن الرئيس العليمي محاط بدائرة تفتقر إلى الجرأة والنصح الصادق، مجاملة المنصب تطغى على الصراحة، والنتيجة أن الرئيس لا يسمع سوى صدى صوته.وهو – مع الاحترام الكامل – ليس نبياً، ولا يملك صلة وحي، كي نعتبر ما يقوله فوق المراجعة أو النقاش.
واحدة من المعضلات التي ترافق الرئيس العليمي هي اهتمامه المبالغ فيه لأبناء المناضلين وبعض الأسر التي كانت لها ادوار في الدفاع عن الجمهورية، هذا الولاء دفعه إلى تعيينات لا تُبنى على كفاءة بقدر ما تقوم على الأسماء والذكريات، كما حدث في محاولاته تعيين عدد من آل دماج وقبلها تعيين ابن النعمان نائباً لوزير الخارجية ناهيك عن الصداقات القديمة التي يضع لها الرئيس اعتبارات مهمة دون ان يكون الاعتبار الأول هو خدمة المعركة الوطنية ضد المليشيا الحوثية كما حدث مع صديقع القديم الذي عبنه سفيراً في واشنطن.
المؤسف أن كثيراً ممن يُحيطون بالرئيس ويشكّلون طاقمه السياسي كانوا في الشتات طوال سنوات الحرب، وبعضهم لم يواجه الحوثيين لا سياسياً ولا إعلامياً. بينما أولئك الذين يديرون المعركة الوطنية ميدانياً واعلامياً اليوم، هم في عدن أو مأرب أو حتى في المهجر، يبحثون عن لجوء أو راتب يسد جوعهم، لا عن قرارات وتعيينات.
الرئيس العليمي قارئ نهم ومهتم بالفكر والتاريخ، لكنه – للأسف – يعاني من انغلاق مناطقي، إذ لا تزال محافظة تعز هي الدائرة التي تتحكم في خياراته وتوجهاته. بل إن بعض القرارات التي صيغت في عهد الرئيس هادي والتي أعطت امتيازات كبيرة لرموز من تعز من جماعة الإخوان تحديداً، كان العليمي أحد مهندسيها.
كلمة أخيرة للرئيس.. هذا المقال ليس خصومة، بل مكاشفة مع رئيس نريده قائداً لا إدارياً. التاريخ لا يُكتب بالأمنيات بل بالمواقف، وإذا ما أراد رشاد العليمي أن يسجل اسمه في صفحات الجمهورية، فعليه أن يتصرف كقائد يعرف متى يتجاوز الخطوط الحمراء لأجل الشعب، ويصنع من القليل انتصاراً، لا أن يكتفي بعمل إداري لايصنع الإنجاز.
اليمن اليوم لا تحتاج إلى مثقف موسوعي، بل إلى زعيم وطني بموقف حاد، وصوت واضح، وسيف لا يرتجف.