الحرب الحوثية على المساجد تمثل إحدى أبشع صور التطرف الممنهج ضد هوية اليمنيين الدينية والوطنية. فمنذ تهجير طلاب مركز دماج في صعدة قبل أكثر من عقد، وصولًا إلى اقتحام مسجد سعوان مؤخرًا، تشن ميليشيا الحوثي حملة تطهير طائفية تستهدف المساجد ودور القرآن الكريم، في محاولة لفرض فكرٍ واحد متطرف وإلغاء كل مظاهر الاعتدال والتعايش التي عُرف بها اليمن عبر تاريخه.
تتعامل الميليشيا مع المساجد باعتبارها خصمًا لعقيدتها الدخيلة، فإما أن تسيطر عليها وتحوّلها إلى منابر للتحشيد، أو تهدمها وتغلقها. وقد فرضت خطباء تابعين لها بالقوة، وألغت الخطب المستقلة، وأغلقت عشرات دور التحفيظ والمدارس الشرعية، واختطفت الأئمة والخطباء، بل أعدمت بعضهم بدمٍ بارد. كل ذلك يجري ضمن سياسة تهدف إلى تفريغ المساجد من رسالتها الروحية وتحويلها إلى أدواتٍ للهيمنة العقائدية والسياسية.
هذا السلوك ليس معزولًا عن النهج الإيراني الذي يسعى لتسييس الدين وتحويل دور العبادة إلى أدوات تعبئة تخدم مشاريعه التوسعية. فالميليشيا الحوثية تُعيد إنتاج التجربة الإيرانية بحذافيرها، مستخدمةً شعارات المقاومة لتبرير عدوانها على بيوت الله، بينما تستهدف فعليًا قيم التسامح والوسطية والوحدة الوطنية.
استهداف المساجد يُعد إرهابًا منظمًا يجرّمه القانون الدولي، واعتداءً صارخًا على قدسية بيوت الله التي كانت رمزًا للسكينة والوئام. لقد تحولت المساجد في مناطق سيطرة الحوثيين إلى ساحات لتجنيد الأطفال والشباب وحشدهم للحرب، بدل أن تكون مناراتٍ للعلم والإصلاح، وهو ما يهدد النسيج الاجتماعي اليمني ويقوّض أسس السلام الأهلي.