تُنبئ معطيات المرحلة المقبلة بأن القيادة السياسية ممثلة برئيس مجلس القيادة الرئاسي، وكذلك رئيس الحكومة مقبلة على اتخاذ خطوات حاسمة في مسار الإصلاح المالي والإداري، ضمن اختبار مفصلي يجري في بيئة مشحونة بالتعقيدات، وقد تُستغل داخلياً وخارجياً لزعزعة المشهد السياسي وتهديد تماسك الشرعية. ومن المفترض أن هذه الخطوات ستُتخذ بما يضمن انتظام عمل الدولة وإنجاز الموازنة العامة. غير أن تلك الإجراءات، رغم ضرورتها، تُقابَل بتحديات مركبة، أبرزها انعكاساتها المحتملة على معيشة المواطنين، واحتمال توظيفها من قبل مليشيا الحوثي لتأجيج الشارع في المناطق المحررة، ضمن استراتيجية ممنهجة لضرب الثقة بالشرعية. كما أن هناك تقاطعات داخلية مع قوى نافذة داخل مؤسسات الدولة، ظلت تستفيد من اختلالات المنظومة المالية وتقاوم أي تحرك جاد قد يهدد مصالحها المرتبطة بالإيرادات غير المنضبطة. ولذا فإن هذه المرحلة تتطلب وعياً سياسياً عالياً وبصيرة استراتيجية لقراءة اللحظة بدقة، واستشعار حساسية الموقف، وتقديم المصلحة الوطنية على ما سواها.
في مواجهة هذه التعقيدات، لا بد من مسار وطني رشيد، يقوم على إرادة سياسية حاسمة ورؤية متكاملة تعيد الاعتبار لوظيفة الدولة وهيبتها. البداية تكون بتحصين القرار التصحيحي من الداخل، عبر تبني حزمة شفافة وواضحة من الإجراءات تُعرَض بصدق أمام الشعب، وتؤكد أن كلفة التصحيح ستُحمَّل على مراكز الفساد والنفوذ، لا على المواطن البسيط. ويتعين أن تواكب ذلك جهود جادة لبناء توافق سياسي داخل الشرعية، من خلال إشراك القوى الوطنية الحقيقية في صياغة الأولويات وترسيخ الشراكة، بما يضعف شوكة المعرقلين ويعزز قاعدة الدعم الشعبي والرسمـي لأي خطوات إصلاحية قادمة.
ويستوجب الأمر أيضاً تفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة، بما يضمن استعادة الثقة العامة ويمنع تفريغ الإجراءات من مضمونها، مع إعادة توجيه الإيرادات نحو استحقاقات المواطنين، وعلى رأسها صرف المرتبات وتحسين الخدمات الأساسية كمدخل لتخفيف الاحتقان ورفع منسوب العدالة والرضى العام. كما يُعد الخطاب الإعلامي الموحد والموجه ضرورة لمواجهة التحريض الحوثي، عبر تعزيز وعي الشارع وكشف أدوات الحرب النفسية التي تستهدف الجبهة الداخلية.
وفي حال تصاعد محاولات التعطيل من الداخل، يصبح من الضروري تدويل ملف العرقلة، ورفع صوت الدولة إقليمياً ودولياً لفضح الجهات التي تُعرقل النهج التصحيحي والتحويلي وتُغذي الفوضى، ما يمنح القيادة سنداً إضافياً في معركة استعادة الدولة.
إنها لحظة اختبار حقيقي لإرادة الدولة، وفرصة تاريخية لإعادة ضبط البوصلة نحو مشروع وطني جامع، لا مكان فيه للفوضى أو للنفوذ العابر للمؤسسات، بل لدولة تحتكم للقانون، وتصون المصالح العامة، وتصنع مستقبلاً يليق بالشعب وتضحياته.