في اليمن التي تعاني شحة المياه تقدم الخدمة عبر انابيب توصل الى المنازل بعد استخراجها من الأحواض الجوفية، في أغلب المحافظات البالغ عددها 21 محافظة فيما تحرم المناطق الريفية وبخاصة ذات الطبيعة الجبلية من هذه الخدمة.
غياب خدمات توصيل المياه في المناطق الريفيه والتي يمثل سكانها نسبة 70% من سكان اليمن، يكبد الكثير من الأسر عناء جلب المياه من العيون ، لذا ابتكروا ما يسمى بالبرك المائية.
والعيون هي منابع مائية طبيعية مياهها عذبة وتستمر طيلة العام، فيما البركة حفره يستحدثها الناس في المناطق الجبلية ويتم تغذيتها بمياة الأمطار الموسمية.
حمير زمام ( 29 عاما وأب لطفلين ) من أبناء الريف بمحافظة حجة يسكن في منطقة حقيل وهي منطقة جبليه على بعد 20 كيلومتر من مركز المحافظة لا توجد فيها خدمة توصيل المياه الجوفية عبر الأنابيب وهو يستخدم مياه حوض البركه او السقاية الخاص به في كافة حياته اليومية.
:"نستفيد من مياة البركة لتغطية احتياجاتنا لكن مياه الشرب نجلبها من عيون تبعد عن منزلنا 4 كيلومتوات على ظهور الحمير".
ويرى زمام أنه ليس بإمكان أي أسرة بمنطقته الاستغناء عن البركة المائية فهي تيسر على الاسره الكثير من الجهد والتعب وتعتبر عنصر مهم في راحة أفرادها.
يقول:"الماء أساس الحياه، ونحن نقول في منطقتنا ..البركه أساس الحياه".
وتحفر البرك المائية في الأرياف ذات الطبيعية الجغرافية الجبلية والتي لا توجد فيها عيون قريبة من منازل المواطنين، وتختلف أحجام وسعة البرك المائية بحسب احتياج الأسرة، وتستخدم في الحفر أدوات الحفر العادية وتعتمد على عمال من الأهالي.
وتبنى جدران البرك من جميع الجهات بالأحجار والاسمنت وتصب قاعدة البركة بالاسمنت والنيس لتحتفظ البركة بكل ما يصلها من مياه الأمطار دون ان ينقص منه شيء.
وبحسب زمام فإن تكاليف إنشاء بركة مائية تكون باهظة على الأسر الريفية، ويقول:"إنشاء بركة بعمق أربعة متر وطول وعرضه أربعة متر يكلف أكثر من مليون ريال (ما يعادل 5 الاف دولار)".
غالبية البرك يتم عملها بالقرب من المدرجات الزراعية، إذ تبنى الممرات الخاصة بالمياة على جانب المدرجات لتسهيل وصول مياة الأمطار وتجميعها بداخل البرك.
يقول زمام ان غالبية البرك تمتلئ عن طريق تسييل المدرجات اليها مباشرة، مشيرا الى ان بعض الأسر تجمع مياه سطوح منازلها أثناء الأمطار هو ما ينزل الى البركه كون مياه السطوح تكون نظيفة مقارنه بالمياه المسيله من المدرجات والتي تحتوي على أتربة وأحجار.
استخدام مياه البرك المائية ليس أسلوبا جديدا على المناطق الريفية التي تنعدم فيها العيون والآبار بحسب ما يقول عبدلله قائد (55 عاما ) من أبناء محافظة حجة إلا أنها وخلال السنوات الخمس الأخيرة أصبح وجودها ضرورة ملحه كون الأمطار قل هطولها والعيون قل إنتاجها فيما الناس في تكاثر مستمر.
ويؤكد قائد أن مياه البرك غالبا ما تكفي الأسر في حياتها اليومية حتى حين موعد هطول الأمطار موضحا أن وضع المياة في المناطق الريفية يزداد سوء في حال نضبت البرك وشحت الأمطار.
:"نضطر لشراء المياة بأسعار عالية كونها تجلب من الوديان البعيدة وتنقل عبر السيارات الناقلات الخاصة بها".
وتهطل الأمطار في اليمن في موسمين خلال السنة الأول في فصل الخريف والذي يصادف شهري يناير وفبراير وفصل الصيف الذي يصادف يوليو وأغسطس.
عبد الخالق علوان مدير التخطيط والسياسات المائيه في الهيئة العامة للموارد المائيه يرى أن استخدام مياه البرك المتجمعة من سيول الأمطار فيه ضرر على صحة المجتمع لانه يتسبب في انتشار الامراض الوبائيه كالبلهارسيا والاميبيا وغيرها من الأمراض الميكروبية.
ويستدرك علوان حديثه بالقول:"لكن الأسر في المناطق الريفية مجبره وهي بذلك ترتكب أخف الضررين إذ يمكنها العيش بدون ماء، رغم ما يسببه ذلك من أمراض".
وأضاف علوان أن ما يمثل نسبة 90% من البرك المائية المستخدمة مياهها من الأسر الريفية مفتوحة وغير مغطاه وهي معرضه لدخول الحشرات أو سقوط الحيوانات وموتها بداخلها، ما يؤثر على صحة الاسره كون غالبية الأسر تستخدم مياه البرك في الطبخ والتنظيف.
من جانبه يقول الصحفي المتخصص في شؤون المياه والبيئة محمد العريقي أن كثير من البرك في الأرياف تستخدمها الأسر كمسبح وهو أسلوب لتلويث المياه ونقل الأمراض.
ويضيف:"غياب التوعية بأضرار مثل هذه التصرفات يوسع من انتشار الأمراض".
ومع تفاقم أزمة المياه في المناطق الجبلية الريفية ومع فقدان الأمل في توصيل خدمة المياه عبر شبكة الأنابيب الحكومية لجأت بعض المنظمات الحكومية وغير الحكومية الى تبني مشاريع خدمية بحفر برك مائية للمجتمعات الريفية التي لا يوجد بها عيون أو آبار.
الصندوق الاجتماعي للتنمية وهو مؤسسه حكومية تنفذ مشاريع تنموية منذ العام 1997، وبدأ نشاطه فيما يخص مشاريع توفير البرك المائية في المجتمعات التي هي بحاجه لها في العام 2007، وحتى اليوم إنشأ المشروع 33.842 بركة بجوار منازل المستفيدين من مواطني الأرياف، فيما أنجز الصندوق منذ بدأ نشاطه في التسعينيات 1685 خزان مائي عام يخدم أهالي القرية عامة.
ويشترط الصندوق عدة معايير لبناء البرك المائية في مناطق الاحتياج وهي أن تغطى البركة بغطاء مكون من الحديد والاسمنت كي لا تكون معرضه للحيوانات والحشرات وأن لا يتم استخدامها في السباحة وأن تبنى بجوار منزل الأسرة ويحدد حجمها تبعا لأعداد أفراد الأسرة.
ويقول مدير وحدة المياه والبيئة بالصندوق عبد الوهاب المجاهد أن المحافظات الشمالية هي الأكثر استفادة، بخاصة محافظة تعز، موضحا بأن الصندوق يتحمل توفير الإسمنت والحديد، فيما تتحمل الأسرة التي تستفيد من البركة تكاليف العمالة.
ويضيف :"النساء هناك من يتحملن جلب المياة والمشروع بصورة أساسية يهدف لتخفيف معاناتها".
ويؤكد المجاهد أن مشروع السقايات المائية الخاص بالاسر استفاد منه إلى اليوم أكثر من 361 ألف شخص، إضافة إلى ان المشروع يؤمن سقاية ليست مسببه للأمراض كما هو حال السقايات التي ينشأها المواطنين، كونها مغطاة.
زمام حفر بركة مائية بعمق أربعة أمتار عرضاً وطول ستة أمتار تتجمع فيه مياه الأمطار بجوار حقله، ما أن تزوج واستقل بأسرته، ولكونه يعمل في تجارة القات والتي تعتبر مصدراً رزقه فإنه ستخدم مياه البركة لسقي أشجار القات ولاستخدامات المنزل.
لكنه ومنذ أن إنشأ له الصندوق بركة بجوار منزله مطلع العام الجاري، خصص تلك ا