يقف مثنى القاعدي في طابور انتظار أمام إحدى الصالات المخصصة للإفطار الجماعي، وما ان حان دوره في الدخول، تحسس جيبه بقلق، لا ليتأكد من وجود مبلغ مالي يدفعه قيمة الإفطار لأنه يقدم مجاناً، ولكن ليتأكد من وجود بطاقته الجامعية، فالإفطار مخصص للطلاب فقط.
والإفطار الجماعي هو طقس رمضاني تقدم فيه الجمعيات الخيرية موائد إفطار مجانية للصائمين يستفيد منها الطلاب إذا ما خصصت لهم، وجميع المحتاجين إذا ما نظمت بصورة مفتوحة في المساجد وباحات الجمعيات.
يدخل القاعدي وهو طالب بكلية الهندسة جامعة صنعاء للصالة الرياضية الكبرى التابعة للجامعة، صحبة طلاب آخرين من كليات مختلفة، يتشاركون السكن الجامعي، فمنذ بدأ رمضان وجميعة الفضيلة الخيرية بصنعاء تنظم لهم مؤائد إفطار جماعي، وتشترط لجنة التنظيم إبراز البطاقة الجامعية لتناول وجبة الإفطار.
داخل الصالة تكون اللجنة أعدت قبل الأذان موائد متساوية في الحجم والمحتوى، وتوزع كل خمسة طلاب على مائدة تتكون من صحن رز ودجاج ووجبة الشفوت التي هي وجبة رئيسية في رمضان وتتكون من نوع من الخبر يعرف باللحوح والزبادي المخلوط مع الخضار والبهارات، بجانب أصناف أخرى من المأكولات.
محسن زكريا المشرف الإداري في سكن الطلاب الذي يتكون من 350 غرفة، وهو رئيس لجنة التنظيم يقول ان نحو 500 طالب يفطرون يوميا منذ بداية رمضان من اجمالي 1400 من طلاب السكن الجامعي.
ويضيف:"أغلبية الطلاب عادوا إلى قراهم بعد أن أنهوا امتحانات التيرم الأول قبيل رمضان".
وتكثر الأعمال الخيرية والإنسانية خلال رمضان الذي يعتبره المسلمين شهر مقدس، يحرصون فيه على الحصول على الأجر المضاعف من أعمال الخير.
وكثيراً ما يردد الناس أحاديث الرسول محمد حول أن من أطعم صائماً فله مثل أجر الصائم عند الله، وأنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع، وبما يحثهم على الأكثار من فعل الخير في رمضان.
وبحسب رئيس الجمعية حسن الشافعي فإنهم يوفرون مؤائد الإفطار الجماعي ، بعد أن تتقدم الجمعية قبيل رمضان بتصورات لعدد من الأعمال الخيرية رجال الاعمال وفاعلي الخير من أصحاب الأموال، ليقوم هؤلاء بدعم هذه الأعمال مالياً.
ويضيف الشافعي :"فالدال على الخير كفاعله كما قال الرسول محمد"، مؤكداً أنهم يطمحون لنيل الأجر من الله لا أكثر.
بالنسبة لمحمد الفقيه طالب كلية الشريعة والقانون وهو أحد طلاب السكن الجامعي فإن هذه الموائد تخفف مما يعانيه من ضرر نفسي لبعده عن أهله وذويه، ولأنه أضطر للانتقال من محافظة ريمة إلى صنعاء للدراسة فلا وجود لجامعة في ريمة.
ويهمس لصديقه وهو يغادر الصالة الكبرى بعد الإفطار:"أتمنى كل يكون كل العام رمضان". في إشارة منه إلى الإفطار الجماعي المجاني.
وتتنوع أماكن الإفطار بحسب الفئات المستهدفة، فبعض المؤسسات وفاعلي الخير ينظمون موائد إفطار جماعي عامة، وتنظم غالبا في المساجد والساحات العامة، بعضها يومي وآخر في يوم محدد خلال رمضان كما في المناطق الريفية.
وفي باحة جامع الخير بشارع الستين بصنعاء يجتمع بصورة يومية نحو مائة شخص يمثل الغالبية منهم المحتاجين من العاملين بالأجر اليومي أو عديمي الدخل، غير أن هؤلاء لا يلزمون بتقديم بطائق خاصة للاستفادة من الإفطار الجماعي والذي يقدم للرجال والأطفال دون النساء.
وما أن يرفع المؤذن آذان صلاة المغرب في المسجد والتي تعلن نهاية اليوم الرمضاني، يبدأ مرتادي جامع الخير في تناول الإفطار الجماعي، وأن كانت مكونات المائدة لا تختلف كثيراً، إلا أن طلاب السكن لا يمكنهم تناول الإفطار إلا بعد أداء صلاة المغرب في مسجد الجامعة، ومن ثم يتوجهون للصالة.
سمير الجرشي 35 عاماً الأب لثلاثة أطفال هم أحد المستفيدين من الإفطار الجماعي بجامع الخير والذي تنظمه بصورة يومية جمعية الفجر.
الجرشي الذي يعمل بائع ثياب رجالية متجول في السوق وهو يحملها على كتفه يقول بأنه يأتي إلى صنعاء لبيع الملابس من بداية رمضان وحتى العيد.
ويضيف:"أوفر قيمة كسوة العيد لأطفالي، وعندما أجد إفطار مجاني تزيد قيمة ما أوفره".
ويرى إبراهيم السفياني إمام جامع أن الإفطار الجماعي يستفيد منه من يستطيع الوصول إلى الجامع فقط، ويضيف:"لكن النساء لا يستطيعون الحضور لموائد الإفطار لأنها مخصصة للرجال فقط".
وفي ذات المسجد وبعد أن ينهى الناس تناول طعام الإفطار، يتأخر ناصر القديمي مع طفليه أكبرهما في السابعة من عمره لجمع ما تبقى من الموائد، ليأخذها إلى منزله.
ناصر يعمل مساعد نجار إلا أن أغلب الأعمال الإنشائية تتوقف تماماً في رمضان ما يعوق حصوله على ما يسد رمقه وأسرته، كما أن موائد الإفطار الجماعي لا تخصص مساحات للنساء.
:"أنتظر حتى ينهي الناس تناول الطعام وأجمع الطعام الجيد لأذهب به للمنزل لزوجتي وبناتي".
بعض الجمعيات الخيرية تنقل موائد الإفطار إلى خارج العاصمة، وهذا ما تقوم به جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية، إذ تنظم موائد إفطار جماعي في المساجد ومراكز ثابتة في عموم محافظات ومديريات الجمهورية، وتحتوي كل مائدة على أصناف مختلفة من اللحم والأرز والخضار المطبوخ بجانب الفواكة ومياه الشرب النقية.
ويقول عبدالمجيد فرحان أمين عام الجمعية أن جمعيتهم تسعى لأن يستفيد من أنشطتها 30.000 صائم يومياً، مؤكداً أن مواد مثل الدقيق المطحون والأرز والسكر والزيوت والتمور والحليب والبقوليات توزع على الأسر الفقيرة في المحافظات ويستفيد منها حوالي 77 ألف أسرة، كما تستهدف الجمعية نحو مائة وخمسين ألف فرد من خلال كسوة وهدية العيد.
جمعية الاصلاح واحدة من بين عشرة الاف جمعية ومؤسسة خيرية مصرح لها من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المختصة بذلك غالبيتها تنشط في رمضان في مختلف الأعمال أبرزها الإفطار الجماعي.