توقفت الحرب، عاد إسماعيل قرسوس يسابق أقرانه النازحين، لكن خطوات قليلة داخل منزله بمنطقة عاهم كانت كافية لتحوله إلى أشلاء، وتحيل بيته إلى ركام.كانت خطواته الأخيرة تلك، كافيه ليتراجع بقية العائدين عن قرارهم.
وقعت الحادثة من أن وضعت الحرب أوزارها في فبراير 2012.
مطلع أكتوبر 2011 حدثت خلافات بين القبائل بمنطقة عاهم بمديرية كشر التابعة لمحافظة حجة ومسلحي جماعة الحوثي، لكنها تحولت إلى حرب استمرت لـ6 أشهر، لتكون سبباً في نزوح 1500 أسرة، أما اليوم فالألغام تظل سبباً رئيسياً يمنعهم العودة.
إذ لم يتوقف الأمر حد إسماعيل قرسوس، ظلت أعداد الضحايا في تزايد، لترتفع لـ 35 قتيلاً بينهم 13 طفلاً وامرأة واحدة، ناهيك عن 50 شخصاً أصيبوا بعاهات مستديمة، فيما تبقى قرابة الـ700 أسرة في مخيمات النزوح يرافقهم الجوع والفقر والحرمان، كما يفيد المشرفين على مخيم نازحي عاهم.
يحي عبده عايض هو أحد النازحين الذين اضطروا للبقاء في المخيم خشية الألغام يقول في حديثه لـ"يمن تايمز" :"مضى عام و3 أشهر ونحن في مخيمات النزوح، نحسب ليوم سيأتي ونعود إلى بلادنا وبيوتنا، لكننا ننتظر أن تتطهر منطقتنا من الألغام".
لا يعلم "يحيى" متى ستتحقق أمانيهم بالعودة إلى مناطقهم الأصلية، غير أنه يشكو سوء الوضع في مناطق نزوحهم الحالية بمخيم وادي العريض بمديرية خيران المحرق، ويضيف:"نحن في وضع سيئ جداً ولا توجد أي خدمات تقدم للنازحين والحمد لله إننا نعيش وحسب".
ويتسأل :"ما الذنب الذي اقترفناه، لنجازى بكل هذ الإهمال، ولماذا لا تقوم الدولة بواجبها وتنزع الألغام لنعود لبيوتنا، ولماذا لا تقدم لنا مساعدة تكفي لعيشنا نحن وأطفالنا؟".
المشرف على مخيم النازحين ناصر هجيني قال في تصريح لـ"يمن تايمز":"أصبح النازحين منفيين في بلدهم بسبب الألغام، فيما لم تقم الدولة بواجبها لإزالتها".
ويضيف:"ما تزال حوالي 670 أسرة نازحة بينها أكثر من 1400 طفل يعيشون في خيم مهترئة، ولانجد ما نقدمه لهم، ناهيك عن انعدام الخدمات الصحية ما أدى إلى انتشار أمراض عديدة مثل الملاريا والتيفوئيد".
ويفيد هجيني بوجود أكثر من 70 نازح مصابون حالياً بالملاريا ومعاناتهم شديدة كونهم بحاجة ماسة للعلاج وبشكل مستمر مضيفاً بجانب 12 حالة مصابة بإسهال حاد جميعهم أطفال، كما يعاني 6 من كبار السن بسبب فقدانهم البصر و7 آخرين من الضغط وأمراض الكبد.
آخرون كُتب لهم أن يقضوا في المخيم، قبل العودة إلى مناطقهم، يقول ناصر هجيني:"مؤخراً توفي أحدهم بسبب إصابته بتليف الكبد، وربما يتعرض آخرون لذات المصير خاصة وأن حالات مرضية غريبة تظهر ولا يجد النازحين مالاً يكفيهم لتشخيص حالاتهم في المستشفى".
وفيما يخص التعليم يقول ناصر هجيني :"المستوى التعليمي للطلاب النازحين في أسوأ أحواله نتيجة عدم الاستقرار الاسري للطالب وأن بعض المنظمات مثل اليونيسيف وجمعية الإصلاح الخيرية، كان لها دور جيد في التوعية ودعم الطلاب من ابناء النازحين".
وأن كانت الحرب توقفت مطلع العام 2012، إلا أن أضرارها طالت الزرع والطرق والمساكن ، فما تزال 9 مدارس مغلقة بمنطقة " عاهم"، وتوقفت الحياة التجارية تماماً في أكبر أسواق محافظة حجة وهو سوق "عاهم" الأشهر، كما تحجرت أكثر من 3 كيلومترات كانت قبل الحرب أراض زراعية.
وفي تصريح لـ"يمن تايمز" يؤكد محمد جبهان وهو أحد وجهاء منطقة عاهم أن :"الألغام زُرعت بطريقة عشوائية في المزارع والمنازل والمساجد والجبال ما أوقع العديد من الضحايا الأبرياء".
إذ قُتل الطفل مشتاق العمري حينما حاول العبث بلغم أرضي ظنه يصلح للعب، وفقدت شقيقته حين كانت ترافقه أحدى ساقيها لتصاب بعاهة مستديمة، فيما قُتلت امرأة أثناء رعيها للأغنام.
ويضيف محمد جبهان أن:"القرود لم تسلم هي الأخرى من الألغام وطالما تناثرت أشلائها أثناء تنقلها في الجبال، كما انفجرت ستة ألغام مؤخراً نتيجة للأمطار التي هطلت على المنطقة"، مشيراً إلى أن جثث من سقطوا أثناء الحرب وبعدها استخدمت كمصائد وذلك بوضع الألغام تحت الجثث، وما أن يرفعها ذويهم بهدف دفنها تنفجر وتسقط ضحايا آخرين".
وعلى ما يبدو فإن الوضع سيطول وسيسقط ضحايا آخرين، ففرق المسح التابعة للمركز التنفيذي للتعامل مع الألغام لا تستطيع المسح في بيئة لا يزال الاقتتال قائم فيها، هذا ما قاله علي عبدالرقيب فارع نائب مدير المركز.
وأضاف في تصريح لـ"يمن تايمز":"الحرب بين القبائل والحوثيون قد تنفجر في أية لحظة ما دام وكل طرف موجه سلاحه للآخر، وفرق المسح لا يمكنها العمل في بيئة لا يزال الاقتتال فيها قائم"، مذكراً بأن البرنامج الوطني لمكافحة
الألغام فقد 18 من موظفيه بين قتيل وجريح خلال العام 2012م ، لكنه مستمر في القيام بواجبه مهما كانت التضحيات.
ويؤكد علي عبد الرقيب أن إزالة الألغام من المناطق المتأثرة بمحافظة حجة يستغرق أشهر وقد تم ادراج ذلك في خطة المسح للبرنامج الوطني للتعامل مع الألغام للعام 2013".
وفي عاهم تتسع الأضرار لتشمل الطرف المتهم بزراعة الألغام هناك وهم الحوثيين، إذ سقط بينهم ضحايا، ذلك أنهم لا يمتلكون خارطة لزراعة الألغام.
هذا ما يؤكده زيد عرجاش وكيل محافظة حجة والناطق الرسمي بإسم القبائل ويضيف:"الحوثيون زرعوا الألغام دون اعتماد خارطة، لأجل ذلك اكتووا بنارها، بخاصة وأنهم عند زراعتها استخدموا عوازل ضد أجهزة المسح مما جعل نازعي الالغام الذين أتينا بهم بطرقنا الخاصة ضحايا تطايروا أشلاء".
ويتابع:"السلطات المحلية تحاول قدر المستطاع مساعدة النازحين عبر العمل والتنسيق مع بعض الجهات الداعمة".
أصبحت أحلام المواطنين في مخيم النازحين العودة إلى ديارهم التي شردوا منها قسراً فيا ترى تستطيع الدولة تحقيق حلما سهلا لمئات من المواطنين ام أن على نازحي عاهم ان يوقنون ان نزوحهم أبدي ولتبقى الألغام تنسف الأحلام