اليمني باعتباره هندياً أحمر *

قبل أن أبدأ في حديثي عن السيد الجديد والهندي الأحمر اليمني، أولاً: أستثني الغالبية العظمى ممن أحبونا وأحببناهم، إخوتنا من الأصول الهاشمية الغالية على قلوبنا { أقصد من استشعر معاني الأخوة والمساواة منهم ولم يقل بأي فكرة عنصرية} ..

نعم، لقد أصبحوا يمنيين، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، نفديهم بأرواحنا ودماءنا، ويفدونا بأرواحهم ودماءهم { المقصود من رفض الظلم والعنصرية والعنف منهم ولم تتلطخ يده بدماء اليمنيين}.

وثانياً: أؤكد أن هذا النقد لا يمس منهج الإمام زيد رضي الله عنه الحقيقي، بل إنه موجّه لمن خرج على مذهبه {أعني الهادوية التي انتحلت اسم الإمام زيد زورا وبهتانا}.

وثالثاً: أن وجه الخلاف لا يمس أو يتطرق إلى القضايا العقدية التي تتعلق بالعبد وربه أو قضايا الخلاف الفقهية والتعبدية المختلفة، وإنما خلافنا معهم يتركز حول قضايا المساواة والأخوّة في الدين والمواطنة والإنسانية، وما يترتب عليها من مساواة في الحقوق والحريات والواجبات.

عندما بدأت تهب رياح التغيير وتنتشر أنوار الوعي والعلم، والمعرفة السليمة بصحيح الدين والفطرة السوية القائمة على الحرية والمساواة والأخوة الإنسانية، وما صاحبها من استشعار نبيل بالافتقاد إلى الحقوق والحريات الطبيعية، بدأت تتبلور القضية الوطنية مع حركة الأحرار، وبدأت بعض النخب المؤمنة بهذه الاتجاهات تتبلور، ولأن هذا الاتجاه هو اتجاه الفطرة، فقد اجتذب إليه الكثير جداً من ذوي الأصول الهاشمية الكريمة { حيث حذو حذو الأحرار من ذوي الأصول القحطانية الكريمة }..

الحوثية:         

اندلعت حروب صعدة الست بين نظام صالح الاستبدادي الفاسد والحوثيين، وتعاطف الكثير من أبناء اليمن { بنبل وحسن نية وسذاجة} مع أبناء صعدة ومع الحوثي وحقه في تدريس المذهب الزيدي، ورفضت القوى الوطنية هذه الحروب، وطالبت بوقفها، كما طالبت بضرورة الحوار مع الحوثيين، بل وإشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني وضمان أمن وصولهم إليه، وكان الحوثيون من جهتهم ينفون كل ما يروج له النظام حول رغبتهم في إعادة الإمامة على الطريقة والشريطة الهادوية، وكانت القوى الوطنية وكثير من المثقفين يدافعون عنهم، ولكن الحقيقة أن هذه الحروب كانت حروباً من أجل السلطة، ولم يكن أحد من الطرفين يحمل أي قضية وطنية أو أخلاقية تهم الشعب اليمني كما تأكد لاحقاً.. لقد كانت حرب أشرار!! {تكشف لاحقا أنها كانت تمثيلية لتصفية الجزء غير الموافق على التوريث من الجيش الوطني}

أخيراً -وللأسف الشديد- تمخض الجبل فولد فأراً، أو كما يقال: صمت دهراً ونطق كفراً.. أخيراً طلع علينا الأخ عبد الملك الحوثي ومن معه بوثيقة مرعبة بغيضة تريد أن تعيد اليمن 11 قرناً إلى الخلف، وثيقة عنصرية إقصائية ما أنزل الله بمعظمها من سلطان، صدمت حتى أشد المدافعين عنهم ممن كان يقول إنهم زيود ومن حقهم نشر أفكارهم وتدريسها.. الخ.

إن مما تقرر هذه الوثيقة وأركز -هنا- على الأمور الخلافية الصادمة فقط، وهي بالمناسبة تتطابق مع ما جاء به الهادي":

-   عدم صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.

-   الإمامة لعلي بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باعتباره أخاه ووصيه، ثم لولديه الحسن والحسين، ثم الأئمة من أولادهما حصرياً -دون غيرهم ولو كان قرشياً- إلى يوم القيامة.

-   ترجيح منهج الهادي والقاسم على غيره (لاحظوا معي، وليس ترجيح منهج الإمام زيد، وهذا فقط للتأكيد على ما سبق) وأن الموقف من السنة النبوية هو موقف الإمام الهادي، والذي اشترط لصحتها أن تتفق مع القرآن وأن تكون مرتبطة بالهداة من آل محمد كأمناء عليها في اعتماد الصحيح من غيره، حتى ولو لم يكن متواتراً ولا مجمعاً عليه.

-   أن الله اصطفى آل محمد، وجعلهم هداة الأمة وورثة الكتاب والقائمين بأمر الأمة والنهوض بها في كل المجالات في كل عصر وإلى أن تقوم الساعة.

-   أما في أصول الفقه فكل ما هو مخالف للقرآن أو "يستعان به" على فهم النصوص الشرعية خارج إطار آل محمد فهو مرفوض ومنتقد من الجميع.

-   وفي الاجتهاد فإنه لا يقبل أي اجتهاد خارج نهج "أهل البيت الأكرمين الذين (كما يزعمون) أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة".

الخلاصة في هذه الوثيقة:

أن الإنسان اليمني المكرم من الله تعالى، الإنسان اليمني المؤمن الكريم صاحب الأرض قد تحول في هذه الوثيقة العفنة إلى هندي أحمر جديد لا يملك إلا أن يكون تابعاً لجنون الرغبة السلطوية لدى الأئمة الذين تسلطوا على رقاب اليمنيين الذين فتحوا لهم أرضهم وقلوبهم ولدى أحفادهم إلى يوم القيامة، ليت هؤلاء المستبدين العنصريين يدركون قيمة المحبة والمودة، ليتهم لم يدوسوا بأقدامهم على محبتنا ومودتنا لهم، ليتهم تعففوا عن "السيادة" في هذا الإقليم الذي تحكموا على شعبه ولم يراع الله فيه.. نلاحظ أنهم يسمون الهاشمي في حضرموت مثلا "الحبيب"، ولكن هؤلاء الحوثيون مثلا لا يريدوا إلا اسم "السيد"، والسيد لا يقابله إلا العبد والتابع طبعاً، وحاشى أن يكون اليمني كذلك مجدداً.

أتساءل: ماذا تبقى لهذا الهندي الأحمر -الإنسان اليمني- في هذه الوثيقة التي سلبته حقه في المشاركة السياسية "الكاملة" دونما سقف، وذلك على أساس من التنافس والكفاءة والقدرة والورع والنزاهة، بل وتكفّره إذا طالب بها باعتبار أن الإمامة محصورة في ذرية الحسنين، وذلك -عندهم- أصل من أصول الدين كما جاء في الوثيقة.

ماذا تبقى للإنسان اليمني المؤمن الكريم المبدع إذا نُزع منه الحق في المنافسة لمن زعموا أنهم قد اصطفاهم الله وانتهى الأمر، بل وأنه لا يقر الصحيح من النصوص إلا هم "عبد الملك الحوثي ومن معه في الوثيقة"، ثم لا يقر الفهم الصحيح لهذه النصوص إلا هم، وأن أي اجتهاد خارج إطارهم مرفوض.. هل يصدق أحد هذا؟!

أتساءل: لو كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" والإمام علي، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري "رضي الله عنهم أجمعين" قَدّموا الإسلام لأهل اليمن بهذه الصورة والعياذ بالله.. هل كان أهل اليمن سيدخلون الإسلام؟

إن الإسلام قد جاء لتحرير الإنسان من العبودية لغير الله عز وجل، جاء الإسلام ليساوي بين العبيد والسادة، وبين العرب والعجم، وبين الغني والفقير، جاء الإسلام ليفاضل بين الناس على أساس واحد هو التقوى: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، جاء الإسلام ليجعل بلالاً الحبشي "العبد" أميراً على خالد العربي "السيد" وغيره من أمثاله، ومع هذا فلا يغفل حق أهل البيت المؤمنين الصالحين، بل لا تجد مؤمناً إلا وهو يحب أهل بيت رسول الله، وهذه فطرة وعقيدة بدهية تجدها عند كل مسلم، ويستغلها الشيعة {السلاليون} في دعوتهم لما حرفوه واختلقوه من عقائد، لعلمهم بهذا الحب المتجذر عند العامة والخاصة من المسلمين، ولكن المسلم العاقل لا إفراط ولا تفريط عنده، فهو ينزل آل البيت منازلهم اللائقة بهم، والتي بوأهم الله إياها { نقصد أساسا بمصطلح أهل البيت أزواج النبي- بنص القرآن - ويضاف إليهم الإمام علي وزوجته وولديه حصرا وتحديدا .. ولا مجال للوراثة في هذا الشأن.. بمعنى أن المسألة برمتها انتهت ولا تأثير لها اليوم في عالم السياسة والاجتماع .. كما نقصد بمصطلح آل محمد وعترته كل أصحابه وأتباعه}..

هذا هو الإسلام الذي نعرفه.. هذا هو جوهر الدولة الحديثة التي نريدها، دولة الكفاءات لا دولة الاستعلاء بالنسب والاستخدام الأسوأ للدين، هذا الاستخدام المتخلف المهين لمن يتبناه قبل أن يكون مهيناً لنا، والذي تجاوزه الزمن ورمته الشعوب في مزبلة التاريخ.

استشهد بما قاله الأستاذ محمد زبارة معلقاً على هذه الوثيقة، حيث قال: "أخجل من نفسي أن أجد من بني قومي من يقول: وأن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين".

وأخيراً: أنصح عبد الملك أن ينزع من رأسه هذه الأوهام المخالفة للشرع والفطرة وحركة التاريخ والعقل والمنطق والأخلاق، وأؤكد له أن الإنسان اليمني الحر الكريم لن يقبل أن يتحول إلى هندي أحمر على أرضه من جديد!! {وأن اليمن لن ترى استقرارا ولا سلما ولا أمنا ما تتخلص من كل فضلات التاريخ العنصرية الحاملة للعنف حتما}

*كان هذا المقال قد نشر في ابريل 2012 وهنا تم اعاده نشره لاهميته.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص